لماذا قابلنا اسعد؟
نشر الدكتور أسعد أبو خليل مقالة بعنوان “ملاحظات في القضايا النسوية” في الاخبار – 1 آب 2009. ولندرة المواد حول المواضيع النسوية في الصحافة اللبنانية، لفتت هذه المقالة انتباهنا، خاصة وأنها اثارت ردود فعل متفاوتة في الاوساط النسوية، التي ترواحت ما بين الاعتراض الكلي على محتوى المقال أو حيرة في بعض الأفكار الواردة. لا شك أنّ مقالة د. أسعد قد أسهمت في إلقاء الضوء على بعض من الهموم والأفكار التي تحاول النسويات في العالم العربي العمل إما على تفكيكها أو على فهمها
بالنسبة إلى بعضنا، قد افترضت المقالة وجود حركة نسوية عربية واحدة قابلة للنقد وثانياً افترضت وجود سياسات نسوية واضحة المعالم تتبع من قبل النسويات العربيات وحول العالم.
الحاصل، قررنا مقابلة د. أسعد لمناقشة محتوى المقال وفهم بعض الأفكار التي وردت فيه وإعادة توضيحها للرأي العام من المهتمين والمهتمات، أي أن المقابلة تأتي كردّ فعل على المقالة وبالتالي كاعتبار للمجهود الذي قام به د. أسعد في محاولة منه للتقريب بين “الهم” النسوي والهم ” السياسي” الذي يرزح على قلوب المواطنات والمواطنين في العالم العربي.
- لماذا علينا أن ننقد ما ننوّه بصدوره: قصة اختلافنا مع تعميمات أسعد
صحيح أن المقابلة أعادت إنتاج ما سبق وكتبه د. أسعد في مقالته، غير أننا نجحنا في إضافة علامات استفهام على أفكار نعتقد بضرورة إعادة النظر فيها. وحيث تبدو المقالة للقارئ العربي وكأنها ملخص عن حركة نسوية غير قادرة على الاتصال بقضايا حاضرها، يهمنا أن نلفت الانتباه إلى عدم قدرة القارئ العربي، أينما كان، على إعادة تصنيع المعرفة التي يقرأها في الصحف المحلية والتي غالبا ما تحثه على تغيير أنظمته، وتحويل سلوكه إلى سلوك فاعل من دون حقائق ودراسات عن واقعنا، أي أنّ المقالات أوامر من دون تعليلات، طبعا غير التعليلات العمومية الطنّانة. وهنا، نؤمن بضرورة وجود هذا النهج قبل وجود حركة تعمل لأي أيدولوجيا.
يوضح د. أسعد أبو خليل العديد من النقاط التي تهمنا أن تصل الى العالم العربي كما الى القارئ العربي، ولو جاءت المقالة متغاضية عن واقع البلدان والأنظمة السياسية الموجودة فيها. فحتى نحن النساء لا نستطيع الافتراض بأننا نعيش واقعاً واحداً. أخواتنا في السعودية، مثلاً، يعشن واقعاً مختلفاً عن ذاك الذي تعيشه أخواتنا في فلسطين وبالتالي، مواقعهن كنسويات تختلف في المعركة وتختلف المسؤوليات.
وربما كنا تمنينا على د. أسعد أن يترفق بالدكتورة نوال السعدواي في نقده لأعمالها. وربما عليه تفهم موقعها، وكتاباتها الأدبية خصوصاً، في إلهام العديد منا لكسر القيود الاجتماعية و التقليدية والانضمام الى صفوف النسوية. رغم هذا، نحن نسلّم في حقه بالنقد، كما في حقنا بالنقد المضاد.
ورغم ملاحظاتنا العديدة على “ملاحظات في القضايا النسوية” إلاّ أننا ننوه بهذه المحاولة ونوّد أن تمهد الطريق لمقالات جدلية مقبلة تتناول الحركات النسوية العربية في يومياتها ومصاعبها وآمالها. لعل ذلك ينتج معالم نظرية نسوية منفتحة دائماً على النقد والتطوّر، بل مشجعة له. وفي هذا الصدد، نود لـصوت النسوة ان تخلق المساحة لهكذا محاولات. إليكن وإليكم مقابلة واحدة من سلسلة مقابلات عن النسوية العربية:
١- ما هو الإطار الزمني للمقال وما هدفه؟ هل يأتي المقال لتقييم الحركة العربية المفترضة؟ أم كنت ترغب في القيام بمبادرة للبدء بحديث طويل حول العمل النسوي؟ أم كنت تبغي تلخيص الجهود النسوية؟
- أتت فكرة المقال حين قرأت مقال لنوال السعدواي، وفي الأسبوع عينه، شاهدت برنامجاً على إحدى المحطات التافهة يستضيف سيدات يدّعين النسوية. وقد أزعجني ما سمعت منهن فقلت لنفسي “يا صبي (وهذا ما أنادي به نفسي) لماذا لا تكتب مقالاً عن النسوية العربية؟”.
- أنا يزعجني التعميمات عن موضوع الحركة االنسوية، فعندما يتم الكلام عن الحركة النسوية وكأنها كتلة متراصة بالرغم من وجود مذاهب متعددة داخلها، فحاولت أن أتكلم بشيئ من العلم. في أميركا يقوم اعداء الحركة النسوية بتصوريها بشكل كاريكاتوري حتى يقضوا على مصداقيتها، وقد تدنت نسبة التعاطف مع الحركة النسوية منذ السبعينات والستينات من الخمسين في المئة الى العشرين في المئة، وهذا يقول شيئاً.
- في المقال كان القصد ان احكي بشيء من التعميم عن تجارب تنطبق على العالم العربي والغربي وذلك من منطلق الوعظ للعالم العربي ونقد للثقافة الشعبية حيث يتكلمون دون إلمام بالموضوع نفسه. فإحدى الامور التي تفعلونها أنتم وانتن كناشطين وناشطات في الميدان هو التعريف بالنسوية، ورغم هذا عندما يظهر احدهم/هن على شاشة التلفاز ويتم سؤاله/ها عن كونها/ه نسوي/ة يصاغ السؤال بطريقة سوقية فيصبح الموضوع حول اذا كانت المرأة “مسترجلة والخ وهذا يدل على الجهل.
٢- سؤالنا الآن عن الاستشراق، عندما تذكر الاستشراق، تتكلم عن مساواة “نوع” استشراق جورج بوش بأنواع الاستشراقات الأخرى؟ الرجاء التوضيح
- استشراق جورج بوش هو استشراق تاريخي. كل أنواع الاستشراق أرادت ان تلغينا، فأول مستشرق فرنسي اسمه “سلفستر دو ساسين” كان مِن أوائل مَن تكلم بالعربية و نظم مجموعات عن العرب ولدراستهم. وهو كان أيضا على متن الباخرة عينها التي كان على متنها نابليون بونبارت في طريقه إلى القاهرة، وهو من ترجم له البيان الذي تم إرساله الى الشعب المصري. لا نستطيع أن نقول بوجود استشراقي حربي وغير حربي فالمصلحة من الاستشراق واحدة. المستشرقون البريطانيون والفرنسيون إلخ، كانوا جزءاً من أجهزة استخبارات بلدانهم، وكما يقول أدوارد سعيد “الاستشراق كان للهيمنة” ويظلّ كذلك.
٣- ما القصة مع نوال السعدواي؟ نحن نعتبر أن كتاباتها تنصف الفتيات اللواتي يتحدرن من طبقة عاملة، فأغلب شخصيات رواياتها نساء مصريات “غلبانات.” ألا تظن أنها قد خدمت مصالح العاملات وفتيات الطبقة العاملة بحيث أنّ الشخصيات الأساسية في روايتها كن فتيات من الطبقة المسحوقة؟
- في رأيي نوال السعداوي مشكلة كبيرة، فهي قد ساهمت في تعزيز الكتابة النمطية عن المرأة والرجل، ففي كتابها ” الوجه الخفي لحوّاء: المرأة والجنس“، تجدين أنه يحتوي على أخطاء عديدة و يصور أنّ المرأة تفكر بالجنس لأنها جاهلة، وعندها اهتمام بالجنس ولكنها إذا تعلمت فسيبطل اهتمامها بالجنس. بالإضافة الى أنها درست الطب وكتبت بطريقة البسودو اكاديمية.
٤- ولكنها قد دخلت الحبس بسبب مواقفها…
- صدام حسين قد حُبس، هذا لا يكسب الرجل مناعة. كتابات نوال السعداوي فيها طبقية وفيها جهل بالعلوم الاجتماعية، بالعالم العربي. حسب كتابتها، إنّ الرجل العربي يعتدي على الفتيات لأنه محشور جنسياً. في بلد كالدنمارك، هناك اعتداء على الأطفال، ليس هناك عالم مطّلع يقبل هذا الكلام. ثم الكذبة التالية أنها تحكي أمراً وعكسه، فتقول إنها حافظة للقرآن مع محمد عمارة وإنّ الصوفيين لم يقوموا بالحج. أردّ عليها بالقول إنّ كتاب فتوحات مكية كتب بمكة. نوال السعدواي طلعت في فترة كان الغرب ينتظر ظهور وحدة تسوق لنسويته هو.
٥- ما هو إذن تصورك للكتابة النسوية؟
- أن تكتب وأنا انتقد. ومَن يريد ينتقدني. أنا أعلّم صف عن الجندر والجنسانية وأقول إنّ هناك أشياء لا يمكنني أن أحكي عنها أو أفهمها ولكن لدي الحق في استجوابها ونقدها.
٦- كأنّ نقدك ذو معايير مختلفة. خلال نقاشاتنا حول المقالة، كان هناك إحساس بين مجموعتنا أنك في خطابك تنقد الحركة النسوية بمعايير محددة لها، أنت تضعها. ولا تنقد اليسار أو 8 آذار بهذه المعايير ولا تعير عليهم إسقاطهم لقضية المرأة. أتبرر لنا ذلك؟
- اليسار يعتب عليّ لكثرة ما أنقده. عندما أنقد اليسار، أذكر أنهم أهملوا وضع المرأة. وعندما أكتب عن حزب الله، أقول إننا نريد أن نرقص، ونغني، وأن يكون الجنسين متساويين، ونمارس الجنس، ونقاوم. أنا مع المزج بين هذه القضايا.
- لكن ما قلتِه هو نوعاً ما صحيح، فأحيانا نبرتي تكون وعظية وهذه نقيصة بخطابي، لكنها جزء من شخصيّتي أيضاً.
٧- ألم تكن تنقد الحركة النسوية على أساس حركة نسائية مثالية في نظرك، وعلى حركتنا أن تلحقها وتتمثّل بها؟ أليس هذا إملاء على المرأة كيف يجب على حركتها النسائية أن تكون؟
- أنا أنظر إلى هذه المواضيع من منظور فوضوي، بمعنى أنني لا أقول الحل بكتاباتي، بل الحل في كل هذا الاستجواب والتناحر والصراع. كل الكتابات على الطريقة الهيغلية هكذا، والهدف أن يطلع عنها شي جديد. وأنتن شاركن في النقد. لما لا تكتبون نقداً خاصاً عن المقال؟.
٨- هذا ما نفعله. تخيل أن تكون مجموعتنا مموّلة من نازك الحريري، أيكون هذا سيناريو مناسب لك، ما رأيك؟
- مرة، كنت سأكتب مقال عن المرأة اللبنانية. قابلت بهية الحريري ونايلة معوّض. كل واحدة منهما لمدة ساعتين. لم تكن الخلاصة أنهما هبلتان ولا تعرفان بالموضوع فحسب بل أنهما “دخيلك” ليستا مع النسوية ولا مع الكوتا النسائية… بهدلة.
٩- على سيرة الكوتا النسائية، عندما تتكلم عن الموضوع، تذكر أهمية الكوتا النسائية في مقاعد النواب ولكنك لا تذكر نسبة التمثيل؟ هل أنت مع الـ50%؟
- علي أن أوضح، أنا مع كوتا 90% من النساء و10% من الرجال.
- أنا وجهة نظري راديكالية من الكوتا، إن كنتن تردن أن تناضلن في إطار ليبرالية نسوية، إذن عليكن أن تطالبن بـ50% من النساء في لوائح القوائم للمرشحين والمرشحات. لكن برأيي لن يصل هذا بنتيجة للنساء، لأنّ بنية السياسة بطريركية، أنا مع الراديكالية النسوية التي تريد أن تطيح بكل الهيكلية المتسلطة ذكورياً، يعني العائلة والدين والقهوة والمجلس والشرطة.
١٠- يعني، هل تسمح بكوتا لحزب الله في الحكومة؟
- على العكس، أنا لا تهمني هذه المحاصصات. لهذا كنت أقول لرفيق لي منذ يومين: إن كانت الطوائف تملك كوتا لما لا تكون للمرأة كوتا؟ إنما تكون نسبة التمثيل بنسبة 50% في مقاعد النواب، لا في قوائم المرشحين والمرشحات.
١١- هل على المرأة في منصب عام أن تمثِّل حيثية شعبية، على عكس ريّا الحسن؟
- لهذا أنا راديكلي، الكوتا لا تحل المشكلة. يمكن أن يأتوا بـ 50% من المسيَّرات، 50% ريّا الحسن، و50% أحمدة فتفتة.
١٢- في مقالك، لم تأتِ على ذكر السياسة الحكومية تجاه المرأة، خصوصاً تمثيل وزارة السياحة للمرأة؟ هي تسوّقها كعلامة تجارية للتقدم والتحرر اللبناني؟
- للأمانة، أنا كذا مرة تكلمت عن “تسليع النساء“، ربما أنا اخترعت العبارة.
١٣- ربما هذه هي السياسة الحكومية اللبنانية الفعلية لنهضتنا الاقتصادية
- أنا أحكي عن “سياحة الدعارة” وأقول إنها الخطة الاقتصادية للبنان.
١٤- لكنك غيبت تسليع المرأة وسياحة الدعارة عن المقال
- حرام، المقال 2400 كلمة فقط
١٥- لاحظنا أنّ المقال يفتقر إلى إطار زمني ومكاني. فأنت، مثلاً، تتكلم عن الحركة النسوية من دون ذكر الفترة الزمنية التي يشغلها مقالك، أو عن أي رقعة/مكان جغرافي في المنطقة العربية تتكلم، أتشمل كل المنطقة العربية؟ خصوصاً وأنّ الحركة النسوية تختلف في كل بلد. نحن النسويات نختلف بين سوريا ومصر، فالبعض مثلاً يتكلمون عن الجنسانية ولا يعيرون الإحتلال أهمية أو يحدث العكس. فما ردّك؟
- أفهم تساؤلكن إنما عليكن أن تفهمن منطلق المقالة، هي: ملاحظات عن النسوية.
١٦- ربما سبب هذا النقد هو احتياجنا لمواد عن النسوية، وافتقارنا إليها. أتظن ذلك؟
- بالطبع أظن ذلك!
Publisher:
Section:
Category: