لطالما اقتصرت تجربتي مع سوق الطيب على مشاهدة السوق من بعيد من السيارة أو المرور بجانبه أثناء الركض في شوارع المدينة في الصباح. لكن يوم السبت 2 أيار2009، أردت أن أدخل السوق وأتجول في ساحته، خاصة وأنّ عدداً من الجمعيات الأهلية والناشطين في مجال حقوق العاملات الأجنبيات في لبنان، أرادوا تكريمهن وزيادة وعي الناس حول معاناتهن ضمن إطار عيد العمال. فعمدوا إلى بناء كشك لتعريف رواد السوق على ثقافات هؤلاء العاملات اللواتي يقدمن ويضحين بكل ما عندهن ونادراً ما يسمعن كلمة شكر.
وراحوا يقدمون طيلة النهار أطباقا من عدد من البلدان ككينيا ونيجيريا وسريلانكا وساحل العاج والسودان، بهدف جمع التبرعات لمساعدة هذه الجماعات. توقعت أن أرى عدداً من العاملات يتفاعلن مع رواد السوق ويتحدثن معهم عن حياتهن وثقافتهن اللتين لا تقومان على التنظيف والكي والغسيل كما بات يعتقد الناس (وكأن هؤلاء العاملات الأجنبيات ليست لديهن حياة أخرى.) ولكم خاب ظني عندما أعلمني المنظمون أن من نحتفي بهن بمناسبة عيدهن تغيبن لأنهن يعملن!
عيد العمال عطلة لكافة العاملين. فلماذا لا يعطلن هن أيضاً؟ ألسن عاملات هن؟ أليس عملهن من الفجر حتى النجر عملاً؟ هن يهاجرن بلادهن ويهربن من قمع مجتمعاتهن ويتركن أحباءهن وأولادهن وأزواجهن وإخوتهن وأخواتهن بحثاً عن ملاذ ومستقبل أفضل لهن ولعائلاتهن، مثلهن مثل كل الناس والشعوب عبر العصور. فلماذا لا نحترمهن ونقدرهن نحن الرجال والنساء والأولاد حولهن؟ قانون العمل اللبناني ينتهك حقوقهن عوضاً عن صونها إذ يستثنيهن من نصه. الشعب اللبناني شعب عنصري وطبقي وهو يمارس التمييز الجندري ضدهن فيطيح بإنسانيتهن وشخصهن وكيانهن. فلنعترف بذلك ولنعمل على تغيير القوانين المجحفة بحقنا وحق الآخرين. فلنطالب من المنظمات والجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة أن تمد أيديها للعاملات المهاجرات. فلنرحب بهن في الأماكن العامة التي نرتادها. والأهم من ذلك، فلنعمل على تغيير عقلياتنا الملوثة بالعنصرية والطائفية والتعصب وغيرها من المعتقدات المشينة المشابهة.
صديقتي في المجموعة النسوية تكرر دائما مقولةمارتن لوثر كينغ: لا أحد حر إلا إذا كان الجميع أحرارا حريتي حياتي. سأدافع عنها بنسويتي
Publisher:
Section:
Category:
