نوستالجيا المخيم

by Mozzoom 2010

ما كانت أول مرة بفوت على مخيّم فلسطيني بلبنان. من أنا وزغيري عندي أصحاب وصاحبات بمخيم برج البراجنة، وكنت روح زورهن بما انو بيتي بالضاحية مش بعيد عنهن. كان البابا يوصّلني على باب المخيّم وعلى وجّو علامات القلق والريبة، ويقلّي انتبهي منيح بابا ، بنبرة جدية قليل ما كنت اسمعها منو. كنت امشي بين شرايط الكهربا الهابطة من شي مطرح بالسما ومشربكة ببعضها، واتفرّج على صور كبيرة لرجال لافف الكفية حول راسو مع ضحكة عريضة، كنت دايما اتساءل عن سببها بهيك مكان. ما كان يعنيلي شي بوقتها الا اني أوصل ع بيت ناديا وطارق تا نلعب بالبيسكليت بالزاروب الضيق تحت البيت، ونلعب مونوبولي عالبلكون المطل على باقي المخيّم واللي كانت جارتهن أم عمار تضل قاعدة عليه عم تتسمع عالراديوناطرة يعلنوا موعد العودة.

 

بعدين كبرت، وعرفت مين الرجال اللي عم يضحك بالصورة بلا سبب، وعرفت ليش في شرايط هابطة من السما، وليش البابا كان يقلي بنبرة جدية انتبهي منيح. صرت افهم ليش في صور كتير لشهدا وأسرى وأبطال والذي منو، وأعلام لفلسطين على الحيطان وعلى الأرض، ومجسمات للقدس. بطلت روح عند ناديا وطارق، بس صرت روح مع الرفاق من أجل النضال داخل المخيّم. بهالفترة، زرت مخيمات البرج، وعين الحلوة ومار الياس والبصّ والبداوي. تحولت علاقتي بالمخيم من علاقة صداقة، لعلاقة سياسية اجتماعية نضالية عنوانها القضية. كنا نروح نعمل ندوات، ونوزع اعانات، ونحكي مع الأطفال وننظم ورش عمل متنوعة، كان كل شي هونيك عن فلسطين وبس. كان المخيم بالنسبة لالي امتداد لفلسطين اللي مش قادرة أوصل الها، اللي بشوفها ع التلفزيون وبحس بالشلل والعجز وكل أنواع فقدان القدرة قدامها. باختصار، كان النضال بالمخيم فشّة خلق يسارية.

بيوم من الايام، وعيت، لقيت انو الرفاق تفرطعوا نتيجة مؤامرة امبريالية رأسمالية صهيونية، وبقيت لوحدي أنا والمخيم. واكتشفت بوقتها انو في جوات هالمخيم، حدا أنا عم كنّلوا مشاعر أكيد كمان كانت نتيجة مؤامرة، لأن مش معقول هالاحساس كان يكون ناتج عن حالة طبيعية. تحولت علاقتي بالمخيم من علاقة نضال سياسي، لعلاقة حب. صرت اكتب قصائد عن ريحة المخيّم وارسم لوحات لسوق الخضرة، وكل ما اسمع فيروز ما يطلع براسي الا زواريب المخيم وهيداك البيت اللي فيه هيداك الحدا. ايه، لسخرية القدر، بدل ما انغرم بالشخص، انغرمت بالمخيم.

بعدين، هب الهوى وبكاني الهوى وبطلنا سوا، وصارت علاقتي بالمخيم علاقة جفا بتشبه العلاقة بين اتنين كتر ما حبوا بعضهن، ما خلّوا شي سليم ببعضهن. صارت زياراتي لهونيك نادرة جدا، متل ايمان أم عمار بالعودة.

مضى وقت طويل، وزرت من كم يوم مخيم شاتيلا لتقديم جلسة من جلسات برنامج غيري عادتك بتزيد سعادتك يللي عم تنظموا المجموعة النسوية بمختلف الأماكن والمناطق للتعريف بالأدوات النسوية الممكنة للتغيير. وصلت، وحسيت فجأة بشي غريب، كأن أول مرة بفوت على مخيّم. فجأة، صارت الشرايط الهابطة من السما، والمساحات اللي فجأة بتختفي بين زواريب ضيقة وبيوت معتمة ورمادية، والناس اللي ما عم يلاقوا مطرح يمشوا فيه، والشمس المحجوبة بباطون ع وشك يوقع، وصور الشهدا والأسرى والأبطال، وصورة الرجال بالكفية اللي عم يضحك بلا سبب، صارت كلها غريبة. كأن ما شفتها من قبل. كانت أول مرة بوقف وجه لوجه مع المخيم بلا مساحيق تجميل باسم الصداقة، أو القضية أو النضال أو الشعر أو فيروز أو الحب. كنت أنا، مرا حاملة كاميرا ولابتوب ع كتفي، واقفة قدام مشهد طويل عريض من المأساة الكارثية اسمو مخيم، وبس. تحولت علاقتي بالمخيم لعلاقة غضب. كان بدي ابكي، أو صرّخ أو اهرب، بس ما قدرت. صرت اطلع عالولاد اللي أكثر شي موجودين بالشوارع، عم يضحكوا ويركضوا، بس أنا مش مقتنعة انهن ولاد عم يضحكوا ويركضوا.

وصلت ع مكان الجلسة، وتفاجأت انو الحاضرات كانوا مجموعة نساء كبار بالعمر، أمهات وجدات وربات منازل. حسيت بالخجل. خبيت اللابتوب والكاميرا، قدام عيونهن اللي كانت عم تقول اجت فيلسوفة جديدة مع كاميرا ولابتوب، وقعدت معهم بشكل دائري، وقلتلهن انو ما رح احكي اليوم ولا كلمة، لأن قدام حضورهن ما فيني الا اسمع. مضى شوية وقت، وبلشوا يحكوا عن حالهن ومخيمهن وقديش قرفانين من الجمعيات اللي بتزورهن لتتصدق عليهن. حكيوا عن ولادهن اللي ما بلاقوا مساحات يلعبوا فيها، والأجور اللي سقفها بيوصل لل 250 ألف، وقانون العمل اللي ضحكت دولة الحمص العظيمة فيه ع ضمير المطالبات بالحقوق المدنية الفلسطينية بلبنان، وحالات الزواج المبكر، والبنت اللي ربحت سفرة ع ايطاليا، بلدها المفضل، وما قدرت تروح بسبب عدم حيازتها الأوراق اللازمة بكونها فلسطينية. حكيوا كيف ما فيهن يملكوا غرفة معفنة فوق شي سطح بالمخيم لأنهن فلسطينيين، بوقت صاروا سواح النفط رح يعلنوا مملكة الصحرا بجبل لبنان قد ما اشتروا أراضي. حكيوا كتير عن قهرهن، بس ما بعرف ليش ما شفت الا قوة. وفكرت، معقول شو وقحات؟ معقول الأمل والقوة الوقحة بعيونهن؟

كنت عم بسمع وجواتي خجل عم ياكلني، كنت خجلانة من الكفية اللي ع رقبتي والأسوارة الفلسطينية اللي بايدي. حسيت انو فلسطين والمخيم لالي هني قضية ونوستالجيا، بينما لالهن هني فقر وجوع وتمييز عنصري وتهديد وخوف واهانة، واصرار ع الحياة ما بعرف من وين بيضل يطلع. حسيت بدي وطّي بوس ايديهن، حسيت بدي قلهن قديش أنا بكل نظرياتي عن الجندر والتغيير، زغيرة قدام كل يوم هني بيعيشوه. شو بدي قلهن؟ ثوروا على شو؟ ثوروا ضد مين؟ ثوروا عشان شو؟ ما كان فيني الا اسمع، وأي نظرية عن التغيير والثورة من جهتي، كان ممكن تخسّرني أي علاقة بالواقع عم بطمح ابنيها معهن. شو بدي قلهن؟ انو أنا بعرف شو الحل؟ لأ، أنا ما بعرف شي، كنت ناطرة هني يعلموني شوي من يللي بيعرفوه. شو بدي قلهن؟ اشتغلوا معنا تا نحصّل الحقوق؟ لأ، هني أذكى بكتير من هيك.

بخجل، حملت اللابتوب والكاميرا ومشيت طريق العودة لبرّا المخيم، بعد ما سمعت من شي خمس ولاد جملة ما بدك تصوريني؟. كل الطريق كنت عم فكر قديش انسانة فقيرة وهلقد مقهورة وما بتملك شي، قادرة تحسسني اني زغيرة قدامها لمجرد انها ساكنة بالمخيم. فكرت انو المخيم مش امتداد لفلسطين، ولا ساحة نضال، هو صورة وحشية، حقيقة بشعة كتير، فضيحة للقضية وللدولة العليّة وللرفاق اليساريي.

قعدت بالسيارة واطلعت ع مدخل المخيم، فيه صورة كبيرة لرجال بالكفية ، بعدني لهلق، ما بعرف ع شو عم يضحك.

 

 

  

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Tags: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: