لمطر ينهمر في الخارج وأنا بالي مشغول. من أسأل؟ ماذا لو حملت؟ شيء ما ينخر في رأسي ويقول “إنه عالق في الداخل، إذهبي إلى المستشفى يا بنت.”..و ماذا أقول لهم في المستشفى؟! “عفوا تانت، يمكن علق الكوندوم|الواقي الذكري في داخلي”؟! ركضت إلى الكومبيوتر. صفحة البحث. وأدخلت سؤالا اعتقدته غبيا “هل من الممكن أن يعلق الكوندوم داخل المرأة؟” يظهر أن الكثير من النساء سألنه. والجواب:” نعم، و من الضروري الذهاب إلى الطبيب لأنه من المستحيل أن يتخلّص الجسم منه ممّا يسبّب إلتهابات”.
مشيت وانا أحضّر أوراقي وحديثي بتأنّ، واخترت أن أذهب إلى الطوارئ في أحد المستشفيات “الأجنبية”، على أساس أنّهم “منفتحون” أكثر ومن المفروض أن يتقبّلوا فكرة أن الفتيات يمارسن الجنس دون زواج.
على المدخل، أتمنّى ألّا أرى أشخاصا أعرفهم كي لا أتوتّر أكثر. حسنا، دخلت. الوضع آمن حتّى الآن. باب الطوارئ لا ينفتح…ما العمل؟! ضياع. احمرّت وجنتيّ. يتقدّم الحارس ويدخلني. ففففففف…أوكي، مشي الحال. أتقدّم من ممرّضة وأقول لها أنني أريد أن أقابل طبيبا|طبيبة نسائية، فتدخلني إلى غرفة، انتظر فيها وأغرق في إمكانيات تعقّد الأمور. لا لا، لن يحصل شيئ من هذا كلّه، ستزيل الطبيبة الواقي الذكري بسهولة، فهذا أمر سهل….سهل؟ ماذا لو استلزم عمليّة جراحية؟
..و تقطع عليّ الممرضة أفكارا غريبة كانت تأتيني، مغذّاة من ذكريات صفوف علم الأحياء في المدرسة. الحمدلله، ممرضة وليست ممرّض. أرجو أن تأتي طبيبة أيضا. نحن أخوات، نفهم على بعضنا…صح؟
“ما المشكلة؟”
“بعد علاقة جنسية، لم نجد أنا وشريكي الواقي الذكري، وأخاف أن يكون قد علق داخلي…” أجيب بتلبّك ما بعده تلبّك، كلمة عربي وكلمة انكليزي فالخوف أفقدني السيطرة وجعلني أنظر إلى الأرض وكأنّني كسرت إناء أمّي المفضّل. ونظرت إليها متمنّية أن تطمئنني أو تجيبني مفسّرة بأنه أمر عادي، يحصل دائما، أو أن تفسّر عمليّة إزالته…و لكنها ضحكت. اعتبرت الأمر مضحكا، وانبرت تكتب في التقرير وهي تقول “يجب أن نرى ما الممكن ان نكتبه في التقرير من أجل التأمين الصحي”. كم هو مضحك أن تتعرّض امرأة لحادث خلال علاقة جنسية، وكم هو غاية في التسلية أن لا يغطّي التأمين هذا الحادث. يمكن أعضاء المرأة غير مهمة مثلا؟
انتهت الإتصالات مع الطبيبة بأن كتبت الممرضة في التقرير “إفرازات مهبلية”. وذهبت إلى الصندوق لأقدّم أوراقي، وأعطيته بطاقة التأمين الصحي لدي كمهندسة، والتي عليها كلّ المعلومات التي يحتاجها. ولكنّه وعند النظر إلى خانة “الإفرازات المهبلية” سألني “أنت مهندسة؟” وكأنه يستغرب أن يكون للمهندسات إفرازات مهبلية. ثم “مهندسة شو؟”(علما بأنه لا يحتاج إلى هذه المعلومة). نعم، فأي نوع من المهندسات يا ترى لديهنّ إفرازات مهبليّة؟
وعدت بعد معاناة إلى الغرفة أنتظر الطبيبة. ثم دخلت عليّ ممرّضة أخرى، أشكّ بأنها كانت بحاجة لمعرفة أية معلومات (فالممرضة الأولى كتبت التقرير واتصلت بالطبيبة) ولكنّها بكل الاحوال سألتني ما مشكلتي. ففسّرت ونظرت إليها، راجية أن لا أجد علامات حكم عليّ أو ضحكة أخرى. هي لم تسمّني فاجرة أو زانية أو تبصق في وجهي، ولكن نظرتها فعلت كلّ ذلك وهي تنظر إلي متفحّصة “مجوّزة انت؟” “لأ”…صمت ونظرة قاسية ثم “اشلحي من تحت والبسي هاي” وأعطتني لباس المستشفى وخرجت.
وأغلقوا الباب عليّ، فجلست ورجلاي تتدلّيان من السرير، تلعبان في الهواء، وأنا أنظر إلى الأرض وأقول لنفسي أن االأمور جيّدة وأننّي قوية. بعد عشر دقائق وصلت الطبيبة. أول وجه متفهّم، سألتني وأجبت وقالت أنها ستفحصني. حصل كل شيء بسرعة وسهولة. وأزالت الواقي. وطمأنتني. لا إلتهابات .وخرجت.
مشيت إلى عملي. كنت افكّر بما جرى وبالإمتيازات التي أملكها. ماذا لو حصل ذلك مع فتاة لا تملك تأمينا صحيا، أولا تملك انترنت لتتفقّد إمكانية حصول هذا الحادث فلم تعرف أصلا أنه علق بداخلها، أو أنها لا تستطيع الذهلب إلى المستشفى لأنهم سيتّصلون بأهلها أو يعاملونها كمجرمة لأنها غير متزوّجة؟ ماذا لو حصل ذلك مع فتاة في قرية وليس لديهم مستشفى أصلا، فكيف ستذهب إلى طبيب القرية مثلا وماذا ستقول له؟
كانت تجربتي مزعجة، ولكنّها لم تكن صادمة أو مؤلمة كما كانت لتكون لو لم أملك كل هذه الإمتيازات. ولكن ماذا عن النساء، شقيقاتي هن، اللواتي يواجهن كلّ يوم أحكام ونظرات وهنّ ينتمين إلى طبقات فقيرة؟ ماذا عن كل من تُرفض لأنها لم تتبع أوامر المجتمع؟
المرأة في مجتمعنا مستضعفة في أكثر المواقف صعوبة. فإنّ مأسسة إضطهادها والإعتداء على حقوقها تحصل بشكل لئيم وشرير في الأماكن والاوقات التي تكون هي فيها أصلا ضعيفة. عندما يتمّ الإعتداء عليها، وعندما تتطالب بحقوقها، وعندما تكون غير متعلّمة، وعندما تمرض، وعندما تكون فقيرة، وعندما تبحث عن عمل…في كلّ مرحلة تكون فيها ضعيفة، ترى المجتمع والقانون والنظام ينقضّ عليها وكأنه كان يراقب منذ الأزل وينتظر أن تقع.
نظام مريض، يستقوي على الضعيف ويتمتّع بتعذيبه. ومحاربته لا تكون إلّا بالتأسيس لأخوية نسوية وبالنظر إلى المرأة الأخرى كجزء مماثل لي، كأخت تشاطرني تجاربي ومشاكلي، وتستطيع دون أي مخلوق آخر أن تفهم معاناتي وفرحي ودرجات انغماسي في الحياة وحبّي لها.
فنحن المقموعات، المضطهدات، المهمّشات، اللواتي يريدون محو تاريخنا وكينونتنا ووجهنا وأيدينا وصرختنا وغناءنا، نحن اللواتي لو وقفنا مع بعضنا يوما، سنجعل وجه الأرض أكثر تلوّنا.
Publisher:
Section:
Category: