العمل المنزلي مجاناً... لخدمة من؟

ساندي شمعون، مصر 2009

نشأت الرأسمالية على الاستغلال كركن أساسي لبقائها، فالأرباح تُجمع من خلالها، وتُكدّس الثروات، وفي حين يقوم الاقتصاد العالمي على استغلال فئات وشرائح المجتمع العاملة في السوق، نرى أن الاستغلال لا يقف عند هذا الحد، أي أنه لا يتمثّل فقط بالسيطرة على رأس المال والتحكم بمعدلات الأجور وحرمان العمال/ات من ما ينتجن/ون، بل إن العمل في ظل هذا النظام ليس مأجوراً في قسم كبير منه.

الامر الذي تحوّلت إليه العائلة النواة في ظل النظام الرأسمالي، يقع في صلب مصلحة الطبقات الحاكمة والرأسمالية التي تسعى بشكل محموم لزيادة أرباحها. وبالتالي، فإن للعائلة دور اقتصادي ليس فقط باعتبارها وحدة استهلاكية، بل باعتبارها مؤسسة إنتاج مستقلة تعمل على زيادة أرباح هذا النظام، وبشكل مجاني، وذلك من خلال العمل غير المأجور الذي تقوم به المرأة بشكل خاص من تربية وتنشئة لعمّال/ات المستقبل.

أما الأفكار السائدة في المجتمع فتتحدّث عن تقديس دور المرأة في العائلة كزوجة وأم، باعتباره (الدور) وظيفة اجتماعية ترتبط بقيم أخلاقية ودينية. بالتالي، فإن العمل المنزلي ورعاية الأطفال يكلّفان المرأة وقتاً وومجهوداً ويصبحان واجباً يومياً تحصل المرأة في مقابله مديحاً زائفاً يتم تدريسه للأسف في المدارس والجامعات، ويأخذ الحيز الواسع في النقاشات حول فضيلة الأمومة وأهميتها على شاشات التلفزة و حلقات الحوار التي تدّعي مناصرة المرأة.

إن خطورة هذا الوصف للدور الذي تقوم به المرأة في المنزل، هو المحاولة لفصل تلك الوظيفة عن علاقتها المباشرة بعلاقات الإنتاج والإنتاج نفسه. فالعمل المنزلي الذي تقوم به المرأة من تحضير المأكل والمشرب وأعمال التنظيف والغسيل، إنما هي خدمات نراها تُباع في السوق بشكل يومي، بينما تقوم الملايين من النساء بهذا العمل من دون أن يتقاضين أجراً.

حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، يُقدّر العمل المنزلي غير المأجور الذي تقوم به المرأة بنحو ثلث الإنتاج الاقتصادي في العالم. وفي البلدان النامية، يُقدّر أن ساعات عمل المرأة تزيد على ساعات عمل الرجل بنسبة ٣٠ في المئة. وهذا يعود بشكل مباشر كنتيجة لإيديولوجية السوق التي ترتكز على الإنتاج لخدمة الأرباح، لا لخدمة المجتمع. وبينما يجب أن تكون رعاية الأطفال هي مسؤولية اجتماعية مشتركة، تصبح هذه المسؤولية على عاتق المرأة لوحدها.

sبالاضافة إلى الاعمال المنزلية، فإن عمل المرأة الشاق والأبرز يتجلّى في رعاية الأولاد وإعدادهم وتربيتهم. ولا شك أن رعاية الأولاد دون مقابل تكفل للرأسمالية حريّة التحكّم بتحديد أجور متدنّية، وبالتالي الإمعان في الاستغلال وزيادة رؤوس الأموال، حيث كلفة إنتاج الطبقة العاملة (أي تربية عمال عاملات المستقبل) تقوم بها المراة مجاناً وهي مفصولة تماماً عن السوق.

الساعات الطويلة التي تصرفها المرأة لرعاية الأولاد وإعدادهم للمجتمع، ترتبط بشكل مباشر بزيادة الإنتاج خارج مؤسسة العائلة، أي في سوق العمل. فإذا كان إنتاج المواد المُستهلَكة في السوق أمراً أساسياً لزيادة الربح، فإن عملية إنتاج الأجيال التي تكوّن قوة العمل هو أمر بالغ الأهمية اليوم لحماية هذا النظام و زيادة أرباحه.

هكذا، يُلقى على كاهل المرأة مهمة إطعام الأولاد والاهتمام بصحتهم ورعايتهم بشكل مجاني، وبالتالي فإن اليد العاملة المعدّة على حساب ساعات وسنوات من العمل غير المأجور ستكون في أتم الجهوزية لدخول سوق العمل دون أي تكلفة، بحجة أن قيمة هذا العمل هي اجتماعية بحتة!

من هنا، نرى أن الرأسمالية كنظام اقتصادي يعتمد بشكل أساسي على عمل المرأة غير المأجور في المنزل، وإن الفائض في الإنتاج والأموال ليس فقط نتيجة العمل المأجور في السوق بل إنه نتيجة غير مباشرة لعمل المرأة المنزلي. وهو بذلك يقوم باستغلال المرأة مرتين على التوالي: في وظيفتها داخل الأسرة، وعملها في السوق حيث الأجر المتدن.

 

 

من هذا المنطلق، فإن معركة تحرر المرأة هي معركة مباشرة مع النظام الرأسمالي وأدواته الإعلامية والثقافية والدينية. وبالتالي، فإن الرجل كما المرأة معني مباشرة ومن خلال مصلحة عضوية واقتصادية بالتخلي عن ذكوريته وبالنضال مع المرأة من أجل تكريس هذا الوعي واقعاً معاشاً.وعلى المرأة و الرجل اليوم أن يرفضوا أي شكل من أشكال الاستغلال، سيما ذلك المتعلق بالأعمال المنزلية و رعاية الأولاد.

  

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Category: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: