في بدايةِ الحرب السورية، أذكر حين كنت أشاهد أرقام الضحايا من الأطفال ترتفع يوماً بعد يوم. وقتها سألت نفسي السؤال القبيح، ولم أعرف حينها أني سأسأله كثيراً في عالمنا العربي الحقير هذا... "هل أحزن أكثر على الذين ماتوا، أم على الذين لا يزالون أحياء؟"
وإن تكلمنا عن الأحياء، فأي حياة يعيشون؟ في مصر منذ فترة قتل النظام شابين لأنهما لم يتمكنا من دفع تذكرة القطار. وفي لبنان قتل النظام أهلاً لأنهم لم يتمكنوا من إرسال أولادهم إلى المدرسة.
الهواء في بيروت مطاطٌ وثقيل. علينا أن نجهد لنتواجد ونتحرّك فيه. منذ انتقالي إلى بيروت بقيت لسنوات أشعر بثقل غرابتي التي كانت تلفّني كمعطفٍ وتشلّ حركتي. الناس لا يفهمون ما أقول ويضحكون من لهجتي. رفاقي يستغربون ثيابي - سروال جينز "على الموضة" مع "كنزة بكشكش" وجاكيت عسكري- ولو لم يقولوا لي ذلك مباشرة. لم أكن أعلم أنّ ثيابي غريبة.
ثمة مقولة أن اليرقة عندما تحسُ أنها لم تعد تحتملُ حياتَها تقررُ الطيران، هذا يشبهُ الخروجَ من الـcomfort zone أو ما يُعرَفُ بمنطقةِ الراحةِ والميلِ للقيام بما هو سهلٌ، ومُريح، ومألوف، وكذلك عدمُ وجودِ نيةٍ للبدءِ بشيء جديد، يخْرجُنَا من حالةِ المخاوف، والقلق، وأي نوعٍ آخر من الأمورِ المُنْهِكَات. شعورٌ زائفٌ بالأمانِوتآلفُنا بالوجودِ داخلَ إطارِ منطقةِ الراحة.
في اليوم الثالث من الثورة، لا أدري لماذا تذكّرت "الحزين" وأنا أشاهد تزايدَ الاحتجاجات، وتدفق كمية رهيبة من المشاعر والمقولات لم يلفظها أو يعبّر عنها أحد من قبل على الهواء. هكذا وجدت نفسي أتخيل "الحزين" في الشارع يصرخ بغضب، ويفرّغ علينا هو أيضاً كمّاً من قهره.