النسوية والذئب

خرجت النسوية يوماً إلى الغابة العملاقة والتي هي المجتمع اللبناني ، وإذا بها تلتقي بذئبِ الإعلام اللبناني اللئيم.
سأل الذئب بإبتسامة عريضة الأنياب: “إلى أين تذهبين يا نسوية؟”
أجابت النسوية: “اذهب إلى جدتي! أحمل لها سلةً مليئةً بأفكارٍ جديدة رائعة، أفكار عن ثورة وعدالة ومساواة حقيقية لنساء غابتنا، قد زرعتُها وسقيتها بقراءاتٍ و نقاشات ورأيتها تزهر فقطفتها وصنعت منها المربى والدبس والحلوى، وآخذها إلى جدتي لترى ماذا صنعت بحديقتها الصغيرة التي أوصتني بها!”
دُهش الذئب وفكر (عيناه تلمعان بالدولار الأميركي): “ااااه كم تبدو لذيذة هذه الحلوى.. لو أخذتها أبيعها للمشاهدين ملفوفةً بالدراما والدعايات والجرصة.”
قال الذئب: “أعطيني السلة، عزيزتي نسوية. سآخذها وأحسّنها وأجمّلها وأوصلها إلى الشعب في لبنان!”
أجابت النسوية: “كلا، السلة كاملةٌ مثلما هي، لا أريد بيعها لأحد. هل توصلها مثلما هي؟”
صرخ الذئب: “غرررررر! كم أنت عنيدة!” وركض بسرعةٍ ليسبق النسوية إلى بيت جدتها.
فكرت النسوية قائلةً: “ما أحمق هذا الذئب”، وأكملت طريقها إلى جدتها، فرحةً بافكارها وسياساتها الجديدة. قالت لنفسها: “سوف أغيّر العالم! سوف اذهب بمبادئي النسوية إلى جميع نساء الغابة، سوف أنادي بالحرية والمساواة لكل النساء!

وصلت إلى منزل جدتها تصرخ: “جدتي! جدتي! لقد أتت نسويتُك الصغيرة، معها آمال وأحلام جميلة!”
لكنها عندما رأت جدتها استغربت من شكلها، فقد لبس الذئب ثياب الجدة التي كانت قد خرجت في صبحيّة مع جيرانها في الغابة.
قال الذئب: “أهلاً، أهلاً، عزيزتي النسوية! أخبريني عن أفكارك الجديدة! هل فيها نساء مسكينات مضروبات ومتورّمات يبكين وينحن؟”
استغربت النسوية وقالت: “كلا، أبداً، فيها نساء قويات يقاومن العنف ويساعدن غيرهن ليرفضن كل أنواع العنف في عائلاتهن وبيوتهن ومجتمعاتهن.”
فكر الذئب: “همم، لا شيء لذيذ في هذا الموضوع.” فسأل: “ماذا عن النساء اللواتي يتحاربن مع نساء اخريات ينتمين الى طوائف واحزاب أخرى أم مع جارتهن الأجمل منهن أم اللواتي اشترين سيارات أجدد من سياراتهن؟”

أجابت النسوية: “ما هذا السؤال يا جدتي؟ طبعاً لا. النساء في سلتي النسوية لا يأبهن بالطوائف والاحزاب… النساء في سلتي متّحدات مع بعضهن البعض، يدعمن بعضهن بعضاً من دون أن يكترثن لماديّات الأخرى ولا لونها ولا خلفيتّها ولا شكلها ولا مذهبها. لقد حسّنت حديقتنا، جدتي، لقد زرعتها بأفكارٍ تتحدى الطائفية والعنصرية والطبقية والتمييز.”

فكر الذئب: “كم هذا ممل” ثم سأل: “هل لديك نساء عوانس بشعات جداً يكرهن الرجال لأنهن لم يلتقين بمن يتزوّجهن؟”
“كلا، كلا، يا جدتي… ما هذا الكلام الفارغ؟ ولا واحدة من النسويات تكره الرجال بل ننادي بالمحبة والمساواة والسلام، فكيف نكره أحداً؟ نسويتي تقف بوجه الذكورية والتمييز بحقوق نصف المجتمع على أساس الجندر. تشجّع الإستقلال الذاتي للمرأة في مجتمعاتها. ألا تعرفين أن محاربة الذكورية تعني الحرية للمرأة والرجل معاً؟”
قال الذئب في نفسه: “أفففف.. لا أفهم شيئاً، أريد مادّة لذيذة دسمة لبرامجي… شو عم تستهبلني هيدي النسوية؟ لحظة! وجدتها!” وسأل: “هل لديك نساء رخيصات، جاهلات يدمّرن مجتمعنا بتصرفات ضد تقاليدنا وشرفنا؟”
“معقول هذا الكلام يا جدتي؟ كيف يعقل للحرية أن تدمر مجتمعاً؟ ألم تدمر كل سنوات الحرب والكراهية مجتمعنا أصلاً؟ ألم تُقمع أجساد النساء عبر القرون بإسم الشرف والتقاليد؟ ألم نكتفي ذلاً وإهانةً وسجناً؟ علينا أن نقف في وجه الهيمنة على أجسادنا وافكارنا وأنفسنا، أن نقف ضد كل الأصوات التي تقول لنا: ’لست جميلة، استعملي مستحضرات التجميل. لست نحيفة، استعملي أدوية الرجيم. لست محترمة، إبقي في  منزل والدك حتى يأتي العريس فيهديك إحتراماً وشرفاً وهدفاً لحياتك.‘ علينا أن نثور، جدتي، علينا أن نصرخ حتى تعلو أصواتنا فوق كل صوت يقول لنا: ’لست جميلة كفايةً، لست ذكية كفايةً، لست جديرة كفايةً!‘”

غضب الذئب وصرخ: “ما هذا الهراء! تعبت من هذه التفاهات!” وكشف عن وجهه المغتاظ، “ظننت أن لديك أفكاراً مشوّقة صنعت منها حلوى لذيذة، لكن أفكارك فارغة، سوف تقع على آذانٍ صمّ! من يأبه بالنسوية؟ لا الرجال ولا النساء. ماذا ستغيّرين أيتها النسوية البلهاء؟ ما هذه الحرية السخيفة التي تنادين بها؟ ولّت أيام الثورة والراديكالية… ارحلي من هذه الغابة! ارحلي بعيداً أو اخرسي واقبلي ما كتب لك ولأمثالك!”
وقفت النسوية مصدومة ومذعورة من صوت الذئب الجبّار. فهجم عليها وإنتزع سلتها ومزّق محتوياتها النسوية وصرخ: “لا أحد يأبه بك يا نسوية! الكل في هذه الغابة يستمعون اليّ،  يأكلون ما أطعمهم، يرقصون على النغمات التي العبها لهم، يصدقون الحكايات والآراء التي أرويها لهم كل يوم، لن تقدري على محاربة سلطتي ونفوذي وسرعتي!”
ترك الذئب النسوية في منزل جدتها، تلملم أفكار سلتها والدموع تنهمر على وجهها… وإذ تصل الجدة عائدة من صبحية جيرانها تتمتم “قلتلن بلدنا عم يخلق جديد… لبنان الكرامة والشعب العنيد… بحبك يا لبنان..” فصرخت النسوية ودموعها تنهمر: “جدتي!”

هرعت إليها الجدة: “ماذا حصل يا نسويتي الصغيرة؟!” فأخبرتها النسوية قصتها مع الذئب وبكت قائلةً:” لقد دمّر سلتي، جدتي! دمّر كل أفكاري النسوية!”
فأجابت الجدة: “كيف يدمّر أحد نسويتك يا نسوية؟! انها مزروعةٌ في فكرك وقلبك وقناعاتك!”
“لكنه أقوى مني بكثير يا جدتي… يصل بسرعة إلى الغابة كلها… يستمع إليه الجميع… لن يسمح بأن أوصل أفكاري إلى أحد!”
فأجابت الجدة: “طبعاً لن يقبل بأفكارك يا نسوية، الذئب يريد أن يبيع صورة مرأة لبنانية بلاستيكية تعنى بالأمور الصغيرة، لا رأي سياسي لها إلا إذا كان يصب في مصلحة السياسة المعتادة. يريد نساءً يتكلمن عن مآسيهن بدراما وبكاء، أو يرقصن ويغنّين على مسرح برامج تسلية. وهل توقعت أن يتصرف الذئب المسيّس الرأسمالي غير ذلك؟”
“لكنه يستطيع أن يصل إلى سكان الغابة باكملها في غضون دقائق جدتي، كيف سأصل اليهم وحدي؟”
فكرت الجدة وقالت: “عليك أن تصبحي ذئباً.”
سألت النسوية بحيرة: “كيف؟”
“عليك أن تخترعي إعلاماً جديداً، إعلامك الخاص النسويّ!”
“وإن حاولت يا جدتي؟ لن استطيع أن أتبارى مع الذئب!”
“إذاً تحاولين أكثر! تعملين بجهد أكبر! تصرخين وتنادين حتى يصل صوتك إلى الناس!”
فكرت النسوية وهي تمسح دموعها وقالت: “وعندما تسمعني النساء يضممن أصواتهن إليّ ويعلو صوتنا النسوي… فأصواتنا مجتمعةً ستعلو فوق صوت الذئب!”
صرخت الجدة: “أجل! كم من فتاةٍ وإمرأة تنتظر صوتك النسوي منذ سنوات؟ كم منهن تنتظر أن تقول: ’ها قد أتت النسوية تنادي بالحرية التي أريدها‘؟
قفزت النسوية وغمرت جدتها وركضت إلى الغابة تقول لنفسها بفرح وبهجة: “سوف نركض أسرع من الذئب، سوف يعلو صوتنا فوق صوته، سوف نصل إلى كل النساء اللواتي ينتظرننا، سوف نثور، وسوف نخترع وسائل اعلامنا الخاصة النسوية!”
فلما وصلت النسوية إلى حديقتها ا
لصغيرة، زرعت بذور جريدة جديدة أطلقت عليها اسم: “صوت النسوة.”

  

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Category: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: