ماذا تفعل النساء في مدينة صور، وكيف ينظر الناس إلى فتاة تعيش هناك لوحدها؟
أسئلة لم أطرحها عل نفسي، ولكن وجودي في صور أجبرني على البحث عن أجوبة، عن معنى للنظرات وعن تفسير للأماكن واستعمالاتها ومستخدميها. فلماذا لا تذهب النساء إلى هذه الأماكن ولمَ أحس بنظرات غريبة عندما أمشي في هذا الشارع؟ ولم لا توجد النساء على هذه المقاهي؟
أعيش وحدي في صور. عمري 27 وأعمل على رسالة الماجستير. هذا لا يهم. “تشرفنا يا تانت، مزوجة حضرتك؟” “لأ” “مخطوبة؟” ” لأ“.
و تتبع هذان السؤالان نظرة تحكي. “ليش يا ترى؟” مع نظرة “من فوق إلى تحت” تبحث عن شيء ناقص، عن شعر أشعث، حواجب غير منتوفة، أنف معكوف، شارب، بثور، وزن زائد، كرش، أفخاذ غليظة، رائحة كريهة… “ما علّتها يا ترى؟”
ما يلي سيناريو الأحلام، حديث كم أتمنى أن أبدأه فيما لو سألني أحدهم أو إحداهن “ليش؟“..”ليش مش مجوزة بعد؟“
1-”شكراً يا مدام، ما جاي عبالي، باخد شاي أخضر إذا في”
2- “بس ما أنا عندي بسينة…”
3-”آه, معقول لأنو ألله بلاني بأربعة وما بقى جاي عبالي القصة كلّها؟“
4-” بركي عمو يمكن هاي من تأثير وقعة وقعتا عراصي أنا وصغيرة؟“
5-” لإنو لقيت شي تاني أعملوا“
6-”ماما قالتلي قد ما فيي ما إئذي الناس“
7-”عم فكّر فيها بس لحد هلق ما فهمت السيستم“
8-”ما بدي“
فيكن تحطو بعد احتمالات…
“المشكل إنو ما عم بيشوفوني إلّا كـ“غير متزوجة“، هويتي مختصرة بهل كلمتان. كل شي معقول يكون إنسان، كل التنوع اللي ممكن يكون في, مش مهم و أصلا ما همهن يشوفو”. أنا لست من هنا ويحكمون عليّ… أتصور ما يمكن أن يكون وضع النساء غير المتزوجات اللواتي ينتمين إلى هذه المنطقة.
وبما أنّ بحثي يتطلّب مني مقابلة الكثير من الناس وخاصة الرجال، (لأنني وإلى الآن قوبلت بنوع من الرفض من معظم النساء، ربما لا يثقن بي لأنني من بيروت ولا أرتدي الحجاب أي لأنني غريبة عنهن ثقافيا)، فإنّ مقابلاتي ومعرفتي لهؤلاء الرجال تصبح أغرب لهم. وربما يعتقدون أنني أستعمل البحث كطريقة جديدة لإيجاد عريس. و لا ننسى غرور الرجال, فمحاولاتي لكسبهم واضحة لهم. جعلني هذا أمشي في بعض المناطق وأنا عابسة، جدية، لا أنظر إلى وجوه الناس، فظة ولئيمة إذا ما توجه أحدهم إلي بالحديث.
وما يزيد الطين بلّة أنني لا أتسكع مع الأجانب وأذهب إلى الأماكن السياحية الغالية، وإنما أصحابي من أهل صور وأذهب مع الشباب إلى أماكن ومقاهٍ “شعبية“. أحبها ويـستسيغني جوها وأحب رؤية الشارع والجلوس فيه، فإنني أعتبرها التجربة الحقيقية للحياة في صور. وبينما أرى جلوسي على قهوة “رجالية” استعادة لحقي و حق أي امرأة في المدينة, وتحدّياً للإيغو الفحولي القائل بأنّ المدينة له وبأنه من يقرّر أين أستطيع التواجد، فإنّ نظرات الملاطفة غالباً ما تظهر أن التحدي غير واضح له وأنه يراه دغدغة لمشاعره.
وفهمت من أصحابي بأنّ وجودي في مقاه رجولية، ليس مشكلة بحد ذاته بحجم ما أنّ وجودي في هذه المقاهي هو وجود في مكان يعتبر للطبقة العاملة.
وهنا تختلط مشكلة الجندر مع الطبقية . فعلى النساء -وللحفاظ على سمعتهن وحيائهن- أن يتواجدن في أماكن أعلى من تلك التي يتواجد فيها سائق التاكسي وبائع عرانيس الذرة… الطبقة العليا من المجتمع تحمي الفتاة.
ولكنني أردت أن أسمع رأي الفتيات هنا بهذا الموضوع… ولكن أين أجدهن؟
ذكرت أنّ معرفتي بالنساء في صور محدودة بأخوات وأمهات أصدقائي الشباب. أين تقضي النساء أوقاتهن وكيف يقضين يومهن في صور؟ سألت أصدقائي
“أين هن النساء في صور؟ ليش ما بعرف إلاّ رجال هون؟“
ضحك أصدقائي….
“النساء في عمري في صور معظمهن متزوجات، طيب. ولكن أين الأخريات؟ أين تقضي غير المتزوجات وقتهن؟
“أين هن النساء؟”
ضحكوا مجدداً
لقد تعرفت إلى نساء في القرى المجاورة ونَمت بيننا صداقة… ولكن في صور، ما الأمر؟
“سنأخذك إلى حيث تقضي الصبايا أوقاتهن يا ياسمين”
وذهبنا ذات ليلة ما فيها ضو قمر… إلى لا كوستا، وما أدراكن ما هو لا كوستا!
جلست بثيابي الهندية الجميلة (برأيي)، من دون مكياج، بشعري البني المموج الجميل (برأيي أيضاً)… وبدأت الـ‘جقرات‘. وأنا أنظر بحشرية من دون حياء. كان المشهد كالتالي: فتيات محجبات و‘بالشوشة‘ ، وشباب في “كونتكست” كتير مودرن، في فالس صامت للزواج . كان عنوان السهرة: ” أجد عريساً ” أو ” كيف التقط أفضل شاب في صور؟”
وكان وجودي بينهن كوجودي في سكاي بار شرعي… نفس الديناميك ونفس الأهداف ولكن في قالب محافظ… وأنا غير المنتمية إلى السهرة.
الكل يعرف الكل. هذه من بيت كذا وهذا من بيت كذا. عائلتها ثرية وهي تبحث عن عريس منذ سنتين…
جلست أنظر إلى ما أمامي، إلى المشهد، وأصدقائي يفسرون أن هذه الفليرتيشن مقبولة من المجتمع المحافظ هنا وأنّ الأهل يشجعون هذه اللقاءت. يشجعون رؤية الفتاة لنفسها كسلعة في إطار الزواج.
وانتهت السهرة ، وما زلت في صور.
وما زالت في رأسي صورة بيروت تجتاح صور، وتجعل من النساء الرائعات اللواتي تعرفت عليهن في عيتا وألبازورية ، تجعل منهن نساءً ‘حداثيات‘… إنها الحداثة تجتاح عقل النساء في الجنوب.
Publisher:
Section:
Category: