مايا العمّار
يوم قرّر وزير الصحة وائل أبو فاعور إقفال 96 مركز تجميل في جبل لبنان والبقاع، شعرت بفرحٍ ممزوج بالحيرة بسبب تجارب واستنتاجات شخصيّة استغرقني تكوينها سنوات طويلة. لا أخفي أني ما زلت أرتاد هذه المراكز من وقت إلى آخر في زيارات محدّدة الهدف تمرّنت على تقليصها بعد إتمامي العشرين من عمري، وهي اليوم في طور الاختفاء.
بالطبع لست أدعو إلى القضاء على هذه المراكز، فقط أفضّل أن تتغيّر تسميتها وخدماتها تدريجياً لتناسب رؤًى وأولويات جديدة آمل أن تتبلور مع الوقت بموازاة تغيير المرأة لنظرتها إلى نفسها وجسمها، فتتحوّل زيارتها من فعل كره للذات إلى فعل محبّة.
وفي الوقت ذاته، دفعني القرار الوزاري إلى التفكير في أخصائيات التجميل والعاملات اليافعات اللواتي التقيتهنّ ولم يكنّ بالضرورة يمتلكن الحرفيّة والتراخيص اللازمة لمحلاتهنّ... ماريا التي لفظتها كلّ المؤسسات التربوية الفاسدة فالتحقت بقطاع التجميل، ألين التي ضنّت عليها الحياة بفرص معيشية بديلة، ستيفاني التي أبدعت في فنون التبرّج والتزيين، مايا التي أعالت زوجاً وثلاثة أطفال (ودمّمتني بالملقط)، الفراشة سينتيا ويدها الخفيفة، موني الطموحة التي صَعُب على زبوناتها التكيّف مع يدها السمراء رغم توسّلاتهنّ إليها، حلّقت ووسّعت أعمالها (بعد أن حرقتني بالشمع)، وغيرهنّ كثيرات انتقل عدد منهنّ حديثاً إلى عالم التجميل والليزر. وكانت الكارثة. فإلى جانب جهودهنّ الغفيرة في خرق العدو، أي الشعر "الدخيل" على جسم المرأة تبعاً للثقافة السائدة، خرقت هؤلاء العاملات سوق أطبّاء/طبيبات الأمراض الجلدية وأطبّاء/طبيبات التجميل. تجاوزن الخطّ الأحمر. وكانت الصرخة. فكان السؤال.
وجدت نفسي أطرح سؤالاً ساذجاً: هل الشعر مرض جلدي ليتولّى مهمّة إزالته الأطباء والطبيبات ويحتكرونها/يحتكرنها؟ حسناً، هم/نّ مخوّلون/ات تولّي هذه المهمّة لأنهم/ن مختصّون/ات محترفون/ات، ولأنه لا يجدر لأيّ كان استسهال استخدام آلات خطيرة، والاستخفاف بصحّة الناس، والقيام ببعض المهام فقط لأنها رائجة وسهلة المنال إلخ. لكن "كايتي"، وهي عاملة مالكة مؤسّسة امتهنت استخدام الليزر، أخبرتني أنها تستأجر أحدث الماكينات من عدد من الأطباء ليوم أو يومين في الشهر، فلا تواجه أي مشكلة لأنها تتقاسم الأرباح معهم. أكثر من ذلك، تؤكّد لي ما سبق أن شاهدتُه، وهو أنّ العاملة التي تتحكّم بالماكينة في عيادة الطبيب/ة ليست طبيبة، بل مختصّة مثلها خضعت لجلسات تدريبيّة خاصّة. فلماذا كلّ هذا الغضب والاستشراس؟ "شاطرين بس علينا"، تقول كايتي. إذاً، المسألة ليست في أن ينفرد/تنفرد الطبيب/ة في استخدام الليزر لأنه أصلاً، وفي الكثير من العيادات، لا يلمس/تلمس الزبون/ة (المريض/ة ؟ )، وعادةً ما لا يحضر/تحضر جلسات "تقريع" الجسد. فلا شكّ في أنّ المشكلة أبعد من بضعة ممارسات غير مهنيّة أو غير مرخّص لها، إذ أنّ الأمور تتفاقم بسبب تنافس حادّ على من يحقّ له/ها درّ الأموال من استئصال الشعر وحشو الخدّين، بين الأطبّاء أنفسهم، وبينهم وبين العاملات في قطاع التجميل. ولا فائدة من إثبات استسهال الهجوم على الفئة الثانية في هذا الكباش، بالرغم من اقتراف الأولى تجاوزات وأخطاء كثيرة بحقّ النساء وصحّتهنّ ومظهرهنّ. يبقى أن لا تنزلق الأيدي إلى كباش كهذا. فالمعركة ليست حول رخصة أو مركز أو صلاحية فحواها محض تجاري بالنسبة للجهتَين، وإن كنتُ ميّالة إلى لوم الأطبّاء/الطبيبات بسبب موقعهم/نّ الذي يحتّم عليهم/نّ مسؤولية صحيّة وأخلاقية. المعركة تبقى ضد كل المنظومة المتحكّمة بأجسادنا، ومن ضمنها المعايير التي تملي علينا شكلها، وهندستها، وكمية الشعر المسموحة لكلّ سنتمتر مربّع على مساحتها.
وددتُ فقط لو لم تُطلق الصرخة من لسان وزير الصحة، أو الطرف المواجه له "الهيئة التأسيسية لنقابة خبراء وأصحاب مراكز التجميل"، بل من حناجر نساء غاضبات من تلاعب القطاعات التجارية التجميلية والطبية بأجسادهنّ. فعوضاً عن ذلك، رفع بعضهنّ شعار "التجميل من حقوق المرأة، لا تسلبوها إياه في عيدها"، أي اليوم العالمي للمرأة (لا تعليق). وددتُ لو أن النساء طالبن بإقفال مراكز تجميلية وطبيّة تضرّرن من أدائها أو حُرمن من حقوقهنّ العمّالية فيها، لكن عوضاً عن ذلك، أطللن علينا مع جاين نصّار بشعار "نعم لمراكز التجميل"، وكأنّهن أردن به اتّهام الوزير والمحافظ بالمسّ بمملكة أنثوية هنّ متمسّكات بها حدّ عدّها حقّاً نسائياً طبيعياً. تختلط المفاهيم ووقع المصطلحات على متلقيّها/اتها، فتُزجّ كلمات مثل "حقوق" ومناسبات مثل "يوم المرأة العالمي" في سياقات مختلفة ومتناقضة، وفي سجال تتعامل معه صاحباته كمعركة حقوقية، من أجل الحق في التجميل والحفاظ على أحد أهم المراكز التجميلية. أي موقف أمام هذه الخطوة؟ وهل يحقّ في المقابل لمستخدمي/ات اللغة الحقوقية ضمن تنظيمات واضحة الأطر، إسقاط مفرداتهم/نّ الحقوقية وفهمهم/نّ لمبادئها بشكل استثنائي وحصري على الفئات الاجتماعية كافة؟ لكن جديّاً، هل تقصد حاملات اليافطات أنّ هناك حقّ إنساني، أنثوي، في التجميل، وما ينتج عنه من تشويه في الكثير من الأحيان؟ أم هو الحقّ في العمل والحريّة في اختياره ما يقصدنه، ومن ورائه هو الخوف من فقدان الوظيفة ما يحرّكهنّ؟
لا أستسيغ إطلاق أحكام وإسقاط إجابات جاهزة، لكن أتمنّى أن يكون الخوف. أفضّل الخوف على "الحقّ في التجميل" الذي يوحي بوجود كائن فيه قبح ينتظر المعالجة، أو علّة تنتظر الإصلاح، أو نقصان ينتظر التعويض، أو فائض ينتظر الإبادة.
"حقّ" يذكّرنا أنّ النساء لا يزلن بعيدات كثيراً عن حبّ ذواتهنّ وأجسامهنّ.
Section:
Category: