ست سنتيمترات بين جورج الريف وبرنامج الصدمة

في حصاد سريع لطفرة البرامج المنتجة سنويا وخصيصا لاستهلاك موسم شهر رمضان، برز برنامج الصدمة الذي قام بفكرته على تركيب مشاهد تمثيلية لمواقف مستفزّة قد تستدعي تدخل المشاركين المستهدفين في المرافق العامة. تلعب الشخصيات المشاركة في “الخدع المصورة" أدوار عدة، منها المستضعف ومنها المتسلط ,من وحي يوميات المجتمع العربي. ذلك المجتمع الذي تفند فيه حالة مختلفة يوميا، ويتم وصلها - من خلال شريط مصور في مقدمة كل حلقة - بأحداث واقعية شغلت اعلام تلك الدول العربية مؤخرا. لاقى برنامج الصدمة ،الذي بدأ عرضه مع حلول شهر رمضان ،استحسانا كبيرا ،إن من خلال نسبة المشاهدة العالية له على شاشة ال.م.بـ.س أو من خلال تناقل مقاطع منه على مواقع التواصل الإجتماعي،, لكل من التجارب التي قام بها الممثلون في هذا البرنامج، في بلاد عربية عدة، لاختبار ردة فعل المجتمع على مواضيع تعنى بـحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. لم يعد المشاهد مستهلك ضاحك على اهوال المشاهير وتعذيبهم الممنهج، ولم تعد ساديته هي المحرك، أدخل في لعبة التماهي مع الشخصيات تارة ومع المارة طورا. يعود سبب الاعجاب بالتجربة المقدمة في هذا البرنامج، بجزء إلى الفخر بالمشاعر الإنسانية و"النخوة" التي يتحلى بها المارة الذين تم اختبارهم ,وبجزء اخر إلى التماهي مع القضية والظلم والارتياح لردة الفعل المشاركة والرافضة لها، لأن ما قد نتعرض له يوما لن يمر من دون مساعدة.

للمرة الأولى، وعلى غرارالبرامج الاخرى، التي يقع المستهدفون فيها ضحية سخرية لاستهلاك و تسلية المشاهد، حول برنامج الصدمة موقع الضحية إلى بطل، مبررا ايقاعهم في شرك المقلب لخدمة قضية رأي عام ومبادئ انسانية. أكاد أجزم بأن كل من حضر أي من تلك التجارب المسجلة في لبنان، استذكر جورج الريف وجريمة قتله بواسطة سكين, بحجم ست سنتيمترات، في وضح النهار، و على مرأى اكثر من 15 شخص. وقعت جريمة قتل الريف على خلفية افضلية مرور، بحيث كان الريف برفقة زوجته على طريق المطار وبعد اصطادم سيارته بسيارة بيكانتو لحقت بهم حتى طريق غير نافذ في محلة الجميزة. تم تنفيذ الجريمة من خلال توجيه طعنات متكررة للريف في انحاء مختلفة في جسمه من قبل القاتل "الغاضب" من حادث الاصطدام. ست سنتيمترات حولت كاميرا برنامج الصدمة إلى كاميرا مراقبة، تسلحت بها احدى المباني لتوثيق الجريمة عن بعد. ست سنتيمترات فصلت بين امكانية تدخل أي ممن وقف يشاهد الضربات والطعنات المتتالية للمجرم. ست سنتيمترات ردعت كل احساس بالمسؤولية لدى من وقف ليشاهد ولم يكمل طريقه. ومازلت أتساءل حتى اليوم لما قد يقف احدهم اذا ما قررعدم المساعدة؟ لما قد يحمﱢل كل تلك المشاهد في ذاكرته؟ طمعا في تخصيص ليالي لتأنيب الضمير؟ ربما.

بعيدا عن الصيغة الوعظية للحس الإنساني المختبر في تلك الظروف، وفي محاولة للتماهي مع المراقب وليس الضحية، اجد نفسي غير ملامة لعدم مشاركتي في ردع الجريمة الوحشية ،أو أي موقف مجحف قد أصادفه في الطريق العام; ذلك لأن نسبة المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة المتفرجة ادنى بكثير من تلك المختصة بـالرجل بحسب قواعد مجتمعنا وتمييزه الجندري. هنيئا لي النوم قريرة العين فانا امرأة، دوري محدود بالنظر حولي بحثا عمن يتدخل , احمل بيدي هاتفا وأصور به مايجري بغية نشره على مواقع التواصل الإجتماعي, وبذلك اكون قد أتممت واجباتي الإنسانية. فانا ,كما يقال لي، هزيلة البنية, غير قادرة على المواجهة الجسدية مع رجل، ليس لي قول في حضور شريكي ،ومن المعيب لي ان اتدخل بحضوره. قد اعظه أو احثه على الإنتباه إلى ما رأيناه سوية ولكن هنا ينتهي دوري. أنا امرأة، نشأت في محيط اخجلني من قدرتي الجسدية ، حتى وصل إلى حد وصفني بال"مسترجلة" يوم أبرزتها، ومدحني حين تظاهرت بالإحساس بالضعف والوجع وطلبت ان يفتح احدهم قنينة الماء البلاستيكية الخاصة بـي، في حين انني احمل غالون الاثنا وعشرون ليترا من الماء في منزلي من دون تململ. أنا امرأة، يستهجن تدخلي للمدافعة عن امرأة تتعرض للتعنيف الجسدي من قبل زوجها في احدى حلقات الصدمة وتوصف بالرجولة و"اخت الرجال" و "أرجل ست" في التعليقات المرافقة للفيديو المنشور ،حتى يدفع الامر بالتعليقات الأخرى إلى الدفاع عن رجال لبنان الذين لولا الأحداث العنيفة الأخيرة التي راح ضحيتها أبرياء بسبب افضلية مرور، لكانوا تدخلوا. أنا امرأة ، محظر حملي للساعق الكهربائي الذي كان ليمكنني من ايقاع القاتل المنتشي بفعل ستيرويد الذكورة والسماح لجورج بالفرار.

ومع ذلك، مع كل الأسباب المخففة والمكبلة لإنسانيتي في آن ,مازلت أفكر بإمكانية وجودي في ذلك النهار, وكيف كنت لأتصرف، هل كانت تلك السنتمترات الست لتوقفني ام تراها السنتمترات اللامتناهية للمسافة التي أبعدني من خلالها المجتمع عن تفعيل دوري كإنسان في الدفاع عن الحق. تنبه القيمون على البرنامج لاختبار إختلاف رد الفعل إذا ما تغير الجاني من رجل إلى امرأة، وبقي علينا التنبه في تحليلنا للمجتمع إلى تغير ردة الفعل في الشريحة المختبرة لل"ابطال" بين رجل يتدخل بعفوية ومن منطلق مسيطر ،وزوجة احدهم تمر وتنظر لزوجها متمنية ان يتدخل، أو اخرى تتلفت حولها لتبحث عن رجل لان المسألة وبحسب تعبيرها تخص “رجال بين بعضهم" أو امرأة تبكي تأثرا بما ذكرتها تلك التجربة بـه، وبكاء البقية منا فيما يتابعون المشاهدة الغير فاعلة في المنازل.

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Category: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: