مقدمة لا بدّ منها
كنت اريد أن لا أكتب، وأنا لا اضطر للقيام بكل هذا. للصراحة، هذه المحاولة الثانية لصياغة نص، الاولى كانت محاولة –اعتقد انها كانت على ما يرام- غير أنها كانت تحت عنوان "التعاسة"، لذا فضلت أن أتحلى بالإيجابية وأن اعيد النّظر بما سوف اشاركه مع العالم ( مع صديقاتي كي اتوخى الدقة العلمية) وأن يكون النص هذا إيجابي، مع ابتسامة صادقة مرسومة، مع أماني جميلة، مع تنهيدة، مع خلفية فيها موسيقى سعيدة، مع اي اضافات تنفع لقول اي شيئ يمكنه إقناع الصديقات في المجموعة-أن السنة القادمة هي سنة الخير والفرح والرضى-( اسمع ضحكاتهن الساخرة، غير اني سوف اقاومها).
باب في التعاسة. يقفل لسنة 2016
أن تمرّ السنة واغلب الأيام امضيتها في المكتب، غرفة غير مجهزة لا للصيف ولا للشتاء، أعمل تماما كإمرأة الية تعاني من الصدئ، اختبئ وراء لوائح نهارية عن ما يجب ان ينجز في كل نهار، لكنه دائما، لا ينجز ، تقاطعه تلك الأخبار من الزميلات اللواتي أعمل معهن: منع من السفر، اعتقال، اغتصاب، اطلاق نار على، لم نحصل على تأشيرة، التفجير بعيد غير إننا سنقفل المركز. تقاطعه كل الاخبار الاخرى من العالم، فاتابعها، اشتبك معها واعبئ الغضب ببطئ شديد، وأخزّنه جيدا، ازيد من استهلاك القهوة، استحمل الم المعدّة، انسى عدد حبات الأدفيل الجلّ، اهلع، اتصل ب "سوسي" لآخذ بعضا من الاطمئنان-تحاول أن تصل لي- غيرأني اضع كل هذا الغضب بيننا، اعود الى العمل، تقاطعه اخبار مماثلة، ارسل قلوب لزميلاتي واصمت لأن التعاسة تطحن كل ما اريد قوله فعلاً، وأعود الى العمل، تقطعه ضرورة العودة الى البيت فالليل قد قد حلّ، اجلس، أكل، وغالبا أغرق في شاشة الهاتف. أنفجر غضبا لأن علبة السجائر شارفت على الانتهاء، أشاهد اي شيء، أختبئ. اجرّ نفسي الى السرير، ولا أنام.ولا أنام، ولا أنام. واستيقظ فجأة لأن الصباح اما قارب على الانتهاء فأهرول الى المكتب، أو ان الصباح لا يزال في الجوار، فأشرب القهوة وأحاول أن أتهرب من السؤال، هل أنت بخير؟
أحاول أن امشي في طريق العودة والذهاب الى المكتب، كل الوجوه التي اراها تتساقط منها التعاسة، تلك السيدة أمام المحل تدخن، من وجهها أعلم انها لم تبع اي قطعة، تلك الطفلة التي تريد الف ليرة تقف في الناصية التي تأخذني الى بيتي، كل مرّة تجبرني على تغيير الطريق، لا استطيع ان اعطيها ولا استطيع ان انظر اليها، ولا اريد ان اراها، اعبئ كل هذه المشاعر في مكان ما في داخلي، اصل الى بيت، وانفجر غضبا لأن القط يريد فقط ان يجلس الى جانبي.
لدي كل هذا الذنب، لأن هناك طفلة على ناصية الطريق بشكل شبه يومي، لأن بائعي المحلات في فرن الشباك متجهمين، لأن الاخبار التي تأتي بشعة، لأني وجدت نفسي غير مهتمة للتواجد بين الاصدقاء ، لأني احيانا اشعر بلملل من كل هذه التعاسة فأذهب الى السينما وحدي وأشاهد اي فيلم حتى لا افكر، وقربي تعاستي التي لا اشاركها الفوشار والتي تجلس تحدق بي وانا احدق الى الشاشة غالبا كأني مسرنمة.
باب في الاشتياق الى الامور الطازجة. يفتح لسنة 2017
هو اشتياق يشبه اول رائحة للبرتقالة الباردة في الصيف وبسذاجة الوصف، تلك الرغبة في ان تأكل امر لم تذقه منذ زمن طويل. رأي جديد في اجتماع سياسي يفيد بأن هناك ما يمكن فعله. أن تسمع اصوات جديدة تقول شيئ لم تسمعه من قبل، أن يضحك لك شخص من كل قلبه رغم توترك الاجتماعي. خفّة الاحاديث والحوادث. غياب الاجندات الخاصة عن الطاولات، طريق الى البيت لم تعرفه. قبلة مفاجأة. مساحة جديدة لا نتشاركها كلنا، مساحات مشتركة لا نستوطنها، ممرات واسعة للعبور من والى العمل السياسي، توتر جنسي لا يصطدم بثقل، بل يهيم هكذا. مقالة لا تشبه كل المقالات التي سبق ونشرها كل محلل\ة عن اي موضوع سياسي.
أشتاق الى المجهول، أن أثق في أن هناك شيئ اخر في مكان ما نستطيع اكتشافه، شيئ قابل لأن يكسر كل هذه الرتابة التي تعيد تكرار نفسها. الى بريد يخبرني أخبار جيدة، أننا ننتصر في أمور واضحة لا في مجازر، ننتصر في دعم زميلاتنا في مصر، ان ارى مزن هنا في بيروت ونطلب هوت تشوكلت وكعك مع بيكون، ان هناك اكثر من 30 مجموعة منظّمة في بيروت تعمل على 30 قضية مختلفة، مساحة اكبر للعمل . أن العمل التضامني مع الثورة السورية مجدٍ، كأن نجد طريقة جديدة للدعم دون ان نكون نفس الاشخاص يعملون على نفس القضية وبنفس الطريقة. أشتاق الى خفّة كانت لدي وفقدتها لأن المساحات ضيقة واحس ان هناك مجهرا كبيرا مسلط علىنا كأفراد وجماعات، يكبّر اي تعليق على فايسبوك، كل رأي، كل فيديو، اشتاق الى القدرة على تجاهل ما هو تفصيل في الحقيقة، غير ان المساحات ضيقة وهذه الاشتباكات الدائمة انهكتني.
باب في الامور القابلة للتحقيق
أن تبقى صوت النسوة في ندرتها قلباً وقالباً، حذرة وغير عابئة بردّات الفعل. أن نذهب الى الكورنيش اكثر، أن نعيد ترتيب بيتنا النسوي، أن نصبح اقل تعاسة، ان نمضي قدما كأفراد، أن لا حلول فردية لأزمات جماعية، ان اقبل الجملة السابقة، أن اتوقف عن الادعاء اني ارغب في تربية نباتات، أن التقي بكن اكثر، ان اقبل الاعتذارات، أن اخذ عطلة جدية رأفة بديما. أن احميكن. أن اقبل الحماية. أن اذكركن كل يوم بأن مصر وسوريا جزءً من مسؤوليتنا. أن لا افقد الامل بالتضامن النسوي، ابدا.
Publisher:
Section:
Category: