دعت المفكرة القانونية إلى طاولة حوار نهار الأربعاء 10 أيار 2017 حول مسودة مشروع القانون الخاص بعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية. حضر الاجتماع حوالي 60 شخصا، منهم عدد هائل من الأطباء النفسيين والمعالجين النفسانيين، وأبرزهم رئيس البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع الشمّاعي. افتتح الاجتماع المحامي كريم نمّور بمقدمة سريعة وتلته كلمة للطبيبة النفسية الدكتورة هلى كرباج التي أعطت لمحة عن تاريخ مشروع القانون هذا وشرحت بعض البنود الأكثر أهمية فيه.
اقترحت المفكرة القانونية سنة 2014 بعض التعديلات على مسودة مشروع القانون، بما يتوافق مع التوصيات الدولية. وقد تم اعتماد نسخة جديدة من المسودة من قبل البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة، وهي مسودة تم فيها دمج مقترحات المفكرة القانونية، ويتم حالياً دراستها في مجلس النواب داخل اللجان المشتركة.
ينص هذا المشروع على بنود عدة، أبرزها تكريس مبدأ الحرية العامة للمرضى النفسيين من خلال إجبار الأطباء على تأمين "البيئة الأقلّ تقييداً" في علاج المرضى، ومن ضمن هذا المبدأ حماية المرضى من الإستشفاء الإجباري غير المبرر له عبر تحديد الشروط والمعايير التي يجب توفّرها للسماح بالإستشفاء الإجباري. كما سيحدد مشروع القانون عدد الأيام المسموح لإبقاء مريض في المستشفى دون موافقته، على أن يرفع ملف المريض المحجوز في المستشفى لمدة تفوق هذه الفترة الزمنية إلى لجنتين، الأولى في المستشفى نفسه والثانية في وزارة الصحة، كما و يجبر الطبيب على تبرير هذا الإحتجاز لدى قاضي الأمور المستعجلة بعد مرور فترة هي أيضاً لم تحسم بعد. كما وذكرت الدكتورة كرباج أن هاتين اللجنتين نفسهما تتلقّيان شكاوى المرضى النفسيين، إن وُجدت.
ورغم وجود بنود أخرى قد تحسن حالة المرضى النفسيين مثل منع شركات التأمين من استثناء العلاج والإستشفاء الناتج عن مرض نفسي في تغطيتها الصحية، فلا يزال ميزان القوى منحاز لصالح المهنيين النفسيين على عاتق المرضى. فاللجنتنان المكلفتان بالإشراف على قرار الإستشفاء الإجباري تتكونان من أطباء ومهنيين صحيين. وكلنا نعلم مدى صعوبة مواجهة قرار طبيب نفسي محترم في مؤسسته من قبل زملائه في المستشفى أو حتى في الوزارة التي هي أيضا تعوم بالأطباء ذوي علاقات مهنية وعلاقات صداقة وطيدة مع الجسم الطبي.
ولدى سؤالي خلال جلسة الحوار عن دور المرضى في الرقابة، جاء الجواب من الدكتور ربيع الشمّاعي أن اللجنة الوزارية ستتضمن مقعدا مخصصا لمريض نفساني يخوّله بالإشراف على العملية وإبداء رأيه فيها. وأود أن أشير هنا إلى صدق النية والمجهود الملموس الذي أبذله كل من عمل على مشروع القانون للوصول إلى نتيجة تحسن من وضعية المرضى. غير أن وجود المقعد هذا الذي سيشغله شخص مجهول الهوية وعلى أساس عشوائي (بانتظار عملية اختيار رسمية) وهو محاط بمهنيين صحيين لا يوازيهم قوة أو مكانة أو سلطة، يجعلني أشكك بمدى منفعته. وفي ظل غياب تمثيل فعلي - أي رسمي وله إطار قانوني - للمرضى، فلن توجد أي رقابة موضوعية.
كما وغابت عن مجموعة العمل على القانون أمور عدة قد تُفشل الهدف الأولي للمشروع وهو الحفاظ على استقلالية المرضى قدر المستطاع وحماية حقوقهم. على سبيل المثال، لم يتطرق المشروع أبداً إلى آليات محاسبة الأطباء النفسيين في حال عدم تطبيقهم لأحكام القانون أو انتهاكهم لحقوق المرضى عامة. ونحن نعلم مدى استحالة محاسبة طبيب عبر نقابة الأطباء التي تخضع إلى ألاعيب سياسية ولا تقوم بعملها في التحقق من مخالفة إلا إذا ناسبها الأمر.
وأنا أدرك تماما مدى صعوبة صياغة قانون شامل ومدى استحالة الترويج لقانون يهدد سلطة الجسم الطبي التامة، إنما أخشى أن تتكرر تجربة قانون 174 (منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة) حيث تبذل جهود باهظة ويقر قانون شبه خيالي حتى يعود ويبقى حبر على ورق بسبب عدم وجود آلية تطبيق ومحاسبة فعالة.
Publisher:
Section:
Category: